والله شهيد على ما تعملون
الخطبة الأولى
الحمد لله العزيز الحكيم، يعلم ما في السموات وما في الأرض، والله بكل شيء عليم، أحمده سبحانه حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له ملك السموات والأرض، والله على كل شيء شهيد، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، إمام المتقين، وسيد الأولين والآخرين، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، قال الله عز وجل:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).
أيها المسلمون: الدنيا دار اختبار وابتلاء، وشدة وعناء، قال تعالى:( لقد خلقنا الإنسان في كبد) أي يعيش الإنسان في الدنيا عمره المقدر في مشقة وتعب، وضنك ونصب، يكابد مشاقها، ويتلذذ بمتعها، ثم يرحل عنها، فمتاعها ظل زائل، وزخرفها لهو راحل، قال تعالى:( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) أي تغر الإنسان وتخدعه فيظن طول البقاء، وهي زهرة فانية، ونعمة زائلة، ولا شيء يدوم عليها، قال سبحانه:( كل من عليها فان* ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) فالذي يدرك هذه الحقيقة يجعل الدنيا دار ممر لا مقر، يؤدي أمانة الله فيها، ويتخذها طريقا للآخرة، قال عز وجل:( وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) أي: وثواب الله تعالى باق سرمدي، وهو خير من متاع الدنيا الفانية، فلا تقدموا الفاني على الباقي وتذكروا أن أعمالكم مشهودة، وأقوالكم مكتوبة، فالقليل منها في الخير مشكور، وصنيع السوء فيها مذكور، قال تعالى:( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)
عباد الله: إن الله تعالى شهيد على أعمالنا، لا يخفى عليه شيء من أمورنا، يخبرنا بما عملنا يوم القيامة، ويذكرنا بما أحصاه علينا في صحائفنا، قال تعالى:( يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد) فلنتذكر في ذلك اليوم إذا دعينا لحضور أعمالنا، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليشهدها، إنه موقف أبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبى صلى الله عليه وسلم :« اقرأ على». قلت: آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال :« فإنى أحب أن أسمعه من غيري». فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت:( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) قال:« أمسك». فإذا عيناه تذرفان.
قال العلماء: بكاء النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لعظيم ما تضمنته هذه الآية من هول المطلع وشدة الأمر؛ إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب، ويؤتى به صلى الله عليه وسلم يوم القيامة شهيدا على أمته، فيا فوز من يشهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بحسن التأسي والاقتداء، ويباهي به الأمم وملائكة السماء.
أيها المؤمنون: اعلموا أن ملائكة الله تعالى تشهد على أعمال الإنسان، قال عز وجل:( وإن عليكم لحافظين* كراما كاتبين* يعلمون ما تفعلون) أي: يكتبون عليكم جميع أعمالكم، قال سبحانه:( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد* ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)
وكان الحسن البصري رحمه الله يقرأ هذه الآية ويروي في تفسيرها: يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك، ووكل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك، والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك، فجعلت في عنقك، معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا، وقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك. قال الله تعالى:( ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا* اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) أي محاسبا.
وقال بعض الصالحين: هذا كتاب، لسانك قلمه، وريقك مداده، وأعضاؤك قرطاسه، أنت كنت المملي على حفظتك، ما زيد فيه ولا نقص منه، ومتى أنكرت منه شيئا يكون فيه الشاهد منك عليك.
أيها المسلمون: اعلموا أن الشهود على الإنسان كثر يوم القيامة، ومنها أعضاؤه وجوارحه، التي يدافع عنها، وينافح لأجلها، يقول الله جل وعلا:( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال:« هل تدرون مم أضحك؟». قلنا: الله ورسوله أعلم. قال:« من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال يقول: بلى. قال فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني. قال فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، فيختم على فيه فيقال: لأركانه انطقي. فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام، فيقول: بعدا لكن وسحقا، فعنكن كنت أناضل».
فيعتريه الندم على ما فرط في جنب الله ويتوجه إلى أعضائه بالعتاب، قال تعالى:( وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون)
نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا للعمل الصالح في هذه الدنيا فنلقى ربنا بما يشهد لنا بالصالحات، كما نسأله تعالى أن يوفقنا لطاعته وطاعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرنا بطاعته, عملا بقوله:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الصادق الوعد الأمين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن الأرض شاهدة على ما يعمل فيها الإنسان، وستنطق بشهادتها أمام الديان، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية (يومئذ تحدث أخبارها) قال:«أتدرون ما أخبارها؟». قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:« فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا كذا وكذا. فهذه أخبارها».
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» وقال صلى الله عليه وسلم :« لا يرد القضاء إلا الدعاء».
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم احفظ دولة الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها الأمن والأمان وعلى سائر بلاد المسلمين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه فى قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم أصلح لنا نياتنا، وبارك لنا في أزواجنا وذرياتنا، واجعلهم قرة أعين لنا، واجعل التوفيق حليفنا، وارفع لنا درجاتنا، وزد في حسناتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم وفق ولي أمرنا رئيس الدولة، ونائبه لما تحبه وترضاه،
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الذين انتقلوا إلى رحمتك، اللهم اشمل بعفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن كان له فضل علينا.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق